كيف تأثر حروف تيفيناغ على انتشار اللغة الأمازيغية: قراءة نقدية لتصريحات حسن أوريد
أثار تصريح الأستاذ حسن أوريد حول حروف تيفيناغ جدلاً واسعاً، حيث اعتبر أن هذا الحرف الأصيل يشكل عقبة أمام انتشار اللغة الأمازيغية. هذه الأطروحة أثارت ردود فعل قوية من جهات متعددة، وخاصة من المهتمين بتطوير اللغة الأمازيغية. في هذا المقال، سنتناول نقطتين أساسيتين: أولاً، مدى دقة هذا التصريح في ظل التحديات الفعلية التي تواجه تدريس اللغة الأمازيغية. ثانياً، دور الشخصيات العامة والمواقف السياسية التي ساهمت في إدخال حروف تيفيناغ إلى النظام التعليمي المغربي.
مغالطات التصريح وأزمة الحرف
تصريح الأستاذ حسن أوريد بأن حروف تيفيناغ تعرقل توسيع انتشار اللغة الأمازيغية لا يعكس الحقيقة الكاملة. التعليم الأمازيغي يواجه العديد من العقبات، لكن الحرف ليس هو المشكلة الرئيسية. التحديات الكبرى تتعلق بالموارد البشرية والمادية، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية لتعميم تدريس الأمازيغية.
من الملاحظ أن تعليم الأمازيغية لم يتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي منذ إدراجه في المناهج التعليمية قبل عشرين عاماً، وهو ما يدل على أن المشكلة ليست في الحرف، بل في السياسات التعليمية. هذا الوضع يعكس تهاون المؤسسات التعليمية في توفير البيئة المناسبة لتعليم اللغة الأمازيغية، وليس فقط مسألة اختيار الحروف.
الخلفيات التاريخية لاختيار حروف تيفيناغ
منذ توقيع البيان الأمازيغي في مارس 2000، بدأت جهود إصلاح وضعية اللغة الأمازيغية في المغرب. وقد كان حسن أوريد جزءًا من الفريق الذي أشرف على عملية إدماج الأمازيغية في النظام التعليمي، حيث شغل منصب الناطق الرسمي باسم الملك، وكان وسيطاً بين الحركات الأمازيغية والدولة. خلال تلك الفترة، تم النقاش حول الحروف التي يجب استخدامها في كتابة الأمازيغية، وكانت الآراء تتراوح بين استخدام الحروف اللاتينية أو العربية. لكن في النهاية تم اختيار حروف تيفيناغ كحل توافقي.
الحركة الأمازيغية كانت تفضل الحروف اللاتينية في معظمها، فيما كانت الحركات الإسلامية والقومية العربية تميل نحو الحروف العربية. وكان اختيار حروف تيفيناغ بمثابة حل سياسي توفيقي لتجاوز هذا الصراع. هذا القرار لم يكن مبنياً على أساس تقني أو علمي، بل كان حلاً سياسياً لتجنب الانحياز لأي من الطرفين المتنازعين، وهو ما يؤكد أن تيفيناغ كان خياراً محايداً يُجنب التصادم.
حروف تيفيناغ: عائق أم فرصة؟
من الخطأ الفادح اعتبار حروف تيفيناغ عائقاً أمام انتشار الأمازيغية. في الواقع، تشير الدراسات الميدانية التي أُجريت في الأقسام الدراسية إلى أن الأطفال يتعلمون حروف تيفيناغ بسرعة وسهولة. قدرة الأطفال على التعلم في المرحلة الابتدائية تتجاوز بكثير ما يتصوره البعض من أن حروف تيفيناغ تشكل عقبة أمامهم. الأطفال في هذه المرحلة العمرية قادرون على تعلم عدة لغات وحروف، ولا يعانون من المشاكل التي يعاني منها الكبار، الذين قد يجدون صعوبة في التكيف مع حروف جديدة.
المشكلة الحقيقية ليست في الحرف، بل في نقص الإرادة لتعميم تدريس الأمازيغية في المدارس. الدولة لم تُوفر الموارد الكافية، ولم تهيئ البنية التحتية اللازمة لنشر اللغة الأمازيغية. من 16 أكاديمية تعليمية في المغرب، 9 فقط التزمت بتدريس الأمازيغية، فيما تجاهلت 7 أكاديميات هذا القرار بشكل كامل دون أن يتم محاسبتها. هذا التجاهل يوضح أن المسألة ليست مسألة حرف، بل مسألة غياب المتابعة والتطبيق الفعلي للسياسات الرسمية.
الإهمال الحكومي وتراكم الأزمات
رغم مرور أكثر من عقدين على بدء تدريس الأمازيغية، إلا أن نسبة تعميمها في التعليم لا تزال ضئيلة للغاية، إذ لم تتجاوز 9% حتى الآن. ومن الأسباب الرئيسية وراء هذا التأخر، إهمال الحكومة وغياب القرارات التنفيذية الجادة. فعلى مدى 12 سنة (من 2012 حتى 2024)، لم تصدر وزارة التربية الوطنية أي مذكرات تخص تدريس الأمازيغية، وهو ما يعني أن القضية تم تهميشها بشكل متعمد.
بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الأساتذة المتخصصون في تدريس الأمازيغية للعديد من التحديات، بدءاً من إهانة وظيفتهم، وصولاً إلى عدم توفر الأقسام والموارد اللازمة. هؤلاء الأساتذة يُجبرون على تدريس مواد أخرى، مثل اللغة العربية أو الفرنسية، بسبب نقص الكوادر التعليمية في تلك المواد، مما يؤدي إلى إهمال تدريس الأمازيغية.
غياب الاستراتيجيات طويلة الأمد
السبب الحقيقي وراء عدم انتشار الأمازيغية لا يرتبط بحروف تيفيناغ، بل يعود إلى غياب استراتيجية تعليمية متكاملة لتعميم اللغة الأمازيغية. السياسات الحكومية اتسمت بالتردد والبطء في التعامل مع هذه القضية. بعد تبني الدستور المغربي في 2011 الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية، انتظرت الحكومة ثمان سنوات قبل إصدار القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. هذه المماطلة تسببت في إهدار الوقت والموارد، وأعاقت تقدم اللغة الأمازيغية في النظام التعليمي.
حروف تيفيناغ كجزء من المصالحة الثقافية
اختيار حروف تيفيناغ لم يكن مجرد مسألة فنية، بل كان جزءاً من عملية المصالحة الثقافية التي قادها الملك محمد السادس من خلال خطاب أجدير. هذا الخطاب كان نقطة تحول في الاعتراف بالهوية الأمازيغية، وكان تبني حروف تيفيناغ رمزاً لهذا الاعتراف. حروف تيفيناغ تجسد تراثاً عريقاً يمتد لأكثر من 4000 سنة، وهي جزء من الهوية الثقافية العميقة للمغاربة. لذلك، ينبغي التعامل معها كمصدر فخر لا كعقبة أمام تطور اللغة الأمازيغية.
الخلاصة
القول بأن حروف تيفيناغ هي السبب في عدم انتشار اللغة الأمازيغية هو تبسيط مخلّ للمشكلة. الحرف لم يكن يوماً عائقاً أمام تعلم لغة ما إذا توفرت الظروف الملائمة. المشكلة الحقيقية تكمن في غياب السياسات التعليمية الجادة، وفي الإهمال الحكومي لتوفير الموارد اللازمة لتدريس الأمازيغية. إن تعميم اللغة الأمازيغية في المدارس يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وإلى تحفيز الكوادر التعليمية، وتوفير بيئة تعليمية ملائمة.
في الختام، حروف تيفيناغ ليست مجرد رموز، بل هي جزء من تاريخ عريق وحاضر يحتاج إلى الاعتراف به، وهي تمثل جزءاً من مصالحة المغرب مع هويته المتعددة. لذلك، بدلاً من التركيز على الحرف، يجب أن نعمل على تحسين السياسات التعليمية وتوفير الإمكانيات اللازمة لتعليم الأمازيغية وضمان انتشارها.