هذا الحواراخدناه من حوار اقامه الكاتب والشاعر الامازيغي احمد عصيد، باحث في الثقافة الأمازيغية وناشط حقوقي، يرى أن تخلف دول الشرق الأوسط سببه قمع السلطات والتيارات المحافظة للحريات الفردية، وأن التعليم في المغرب يخرج أفواجًا من المؤمنين بدل تخريج مواطنين. الباحث والناشط الأمازيغي المغربي أحمد عصيد في سؤال مباشر.
- سيد أحمد، مساء الخير. أهلاً بك معي في سؤال مباشر على الشاشة العربية.
- أهلاً وسهلاً، تحياتي، مساء الخير وأحيي كل المشاهدين الكرام.
سيدي أحمد، أبدأ معك من يوليو 2023، من تصريحات أدليت بها في فعاليات ثقافية في الندوة الدولية السابعة للجامعة الصيفية في أكادير. قلت في هذه التصريحات: "إن بالمغرب أمازيغية معترف بها نصًا في الدستور ولها قانون تنظيمي وميزانيات الدولة وكل المرتكزات، لكن لا شيء يسير في الاتجاه السليم"، ثم قلت أيضًا: "هناك اعتراف مع وقف التنفيذ". هل يعني ذلك أن الثقافة الأمازيغية في المغرب تعاني حالة من التضييق والإنكار حتى الآن؟
- ج أحمد عصيد:
لم يعد هناك إنكار ما دام هناك اعتراف. هناك اعتراف سنة 2001 في خطاب أجدير الذي ألقاه الملك محمد السادس، وبدأت عملية تأسيس الأمازيغية، يعني إدراجها في المؤسسات منذ 2003 مع التعليم. في سنة 2011 أصبحت رسمية في الدستور، وصار لها قانون تنظيمي منذ 2019. لكن رغم هذه المرتكزات، عملية التأسيس متعثرة ومتأخرة جدًا، والنسبة المئوية لعملية الإدراج الفعلي تبقى ضئيلة. وأعطيكم رقمًا، مثلاً في التعليم، ما زلنا في حدود 10% ولم نتعده بعد 20 سنة من بدء تعليم الأمازيغية في 2003. وهذه نسبة ضئيلة جدًا في 20 سنة. فالأمر لا يتعلق بعدم الاعتراف أو بالإنكار، بل يتعلق بتعثر الوفاء بالتزامات الدولة والتزامات الحكومة. هناك بطء كبير في تفعيل القوانين وتفعيل الدستور ومرجعيات الدولة. وهذا عطب تعرفه الكثير من القطاعات الأخرى وليس الأمازيغية فقط.
- ماذا يعني هذا؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك أو إلى توصيفك بأنه هناك حالة تعثر وربما تعطيل؟
السبب الرئيسي هو أننا نغير القوانين ولا نغير العقليات. اللوبي الإداري في المغرب ما زال له عقلية قديمة. القرارات الجديدة للدولة لم يستوعبها ولم يتغير لكي ينفذ قرارات الدولة. ينطبق نفس الشيء على قضية المرأة أيضًا والمساواة. رغم أن الدستور متقدم والقوانين متقدمة، لكن التفعيل بطيء، بل هناك تراجعات.
إذا اعتقدت أن عدم تغيير العقليات وعدم تحسيس الدولة بمواقفها الجديدة وبتغيير سياستها هو من الأسباب الرئيسية. من جانب آخر، هناك مقاومة أيضًا في المجتمع بسبب عدم التوعية وعدم التحسيس. عندما تقوم الدولة بالاعتراف بحق من حقوق الإنسان، لابد أن تقوم بجهود مضاعفة للتعريف بقيمة هذا الحق عند الناس، وكيف سيغير حياتهم وما أثره الإيجابي على الأسرة المغربية وعلى حياة المغاربة. هذا المجهود، للأسف، لا تقوم به الدولة، مما يجعل الأمور تتعثر. لكن على الأقل، يمكن القول إننا ربحنا المكتسبات الدستورية والقانونية. بمعنى المرتكزات التي يُبنى عليها التغيير، كلها تم إرساؤها ومتوفره، وعلينا فقط المزيد من تعميق الحوار الوطني والضغط كذلك بواسطة اللوبي المدني والأحزاب السياسية والبرلمان المغربي لكي نستطيع أن نجعل القطار يسير بسرعة أكبر.
الآن، حسب الإحصائيات، هناك حوالي 60% من مجموع السكان في المغرب هم من الأمازيغ، أليس كذلك؟
أحمد عصيد:
نعم، هذا صحيح. ولكن في الواقع النسبة أكبر. إذا أخذنا بعين الاعتبار الشعور بالانتماء، هناك معيار اللغة، عدد الناطقين بالأمازيغية، وهناك معيار الهوية، أي شعور بالانتماء إلى الأمازيغية. هنا يمكن أن نصل إلى 90%. لأن الغالبية العظمى من المغاربة يعرفون انتمائهم إلى الهوية الأمازيغية الأصلية التي هي هوية ترتبط بالأرض المغربية وبجغرافية شمال أفريقيا.
- إذا كان هذا هو الحال، فهل هذا يعني أن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص داخل الإدارة التنفيذية أو الجسد الحكومي المغربي هم أمازيغ؟
نعم، بالطبع، هذا صحيح. إذا كان الأمر بهذا الشكل، فليس هناك تمييز. تولي المناصب ليس فيه أي تمييز بسبب الأصل العرقي أو اللغة أو اللون. وهذا مكسب كبير في الدولة المغربية الحديثة.
- إذا كان الأمر كذلك، لماذا تحمل أنت المسؤولية على الحكومة في شكل إدارتها القديم البيروقراطي والعقلية التي تسير بها؟ لماذا لا تحمل المسؤولية على الـ90% من المجتمع المغربي الذين من المفترض أن يكونوا هم الأغلبية داخل هذا الجسد؟
الحكومة الآن يترأسها رئيس حكومة أمازيغي وهو السيد عزيز أخنوش، وفيها وزراء غالبيتهم أمازيغ. ليس هذا هو المشكل. المشكل هو العقلية، وليس الانتماء. بمعنى أن 45 سنة من التعريب والإسلام القسري، خطاب العروبة والإسلام تكرر ل45 سنة، وأصبح الكثير من الأمازيغ لا يهتمون بلغتهم وثقافتهم، إلى درجة أن اللغة الأمازيغية أصبحت تُعتبر أقل قيمة. والسبب في ذلك هو السياسة المعتمدة التي وضعت لغتهم وثقافتهم على الهامش.
هذا شيء معروف لدى كل الشعوب التي لم تؤخذ ثقافتها بعين الاعتبار. ما قامت به الحركة الأمازيغية في المغرب هو عمل عظيم جدًا. لأنها جعلت الكثير من الناس ينتبهون إلى قيمة ما لديهم من تراث ولغة وثقافة، وأصبحت لها قيمة أكبر عند الناس بالتوعية.
- ما هو موقف الأمازيغ من الثقافة العربية واللغة العربية؟
الموقف هو تعظيم وتشريف كبير. جميع الأمازيغ يعتبرون أن اللغة العربية هي لغتهم الثانية بعد لغتهم الأصلية الأمازيغية. ويعتبرون كذلك أنها لغة الدولة، ويحترمونها، ويستخدمونها في كل شؤونهم. أنا مثلًا أكتب كل كتبي ومقالاتي باللغة العربية، وأستخدم الفرنسية في بعض الحوارات الإعلامية، لكنني أشتغل باللغتين الأمازيغية والعربية. الحركة الأمازيغية في المغرب اشتغلت بالعربية، وكانت دائمًا تطالب بإقرار الأمازيغية بجانب العربية. بمعنى أن الأمازيغية في المغرب ليست خطابًا ضد لغة أخرى أو ثقافة أخرى، بل إننا لم نكن حتى ضد اللغات الأجنبية. اعتبرنا الانفتاح على اللغات الإنجليزية والفرنسية مكسبًا للمغاربة، ولم نتخذ موقفًا سلبيًا من أي لغة.
- ما هو حجم حضور هذه اللغة والثقافة الأمازيغية في الإعلام في المغرب؟
للأسف، الصحف والمجلات كلها اختفت بسبب عدم القدرة على الاستمرار من الناحية المادية. الصحافة الأمازيغية لم تكن مدعومة من الدولة، وكانت فقيرة جدًا. بقي منبر واحد هو "منبر العالم الأمازيغي"، وهي الجريدة الوحيدة التي استمرت، بفضل أنها كانت مقاولة. أما بالنسبة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني، في الإذاعة المركزية هناك قسم الأمازيغية الذي يبث برامج بلغات أمازيغية مختلفة. كما توجد قناة الثامنة، وهي الوحيدة التي تبث معظم برامجها بالأمازيغية.
- ما هو حجم الحضور في الإعلام الخاص؟
حجم الحضور ضئيل جدًا، بل يكاد يكون منعدمًا. هناك إذاعات خاصة كانت تبث برامج أمازيغية، لكنها توقفت عن ذلك، ولم تحاسب على خرقها القانون. في القطاع الخاص، هناك تراجع كبير مقارنة بالقطاع العام.
- كيف تتعامل الحكومة مع تفعيل التعليم الأمازيغي في المدارس الخاصة؟
وزارة التربية الوطنية فقط في الصيف الحالي أصدرت مذكرة تقول للمدارس الخاصة أنه يجب عليها تدريس الأمازيغية، لكن للأسف قالت لهم بشكل اختياري. وهذا خرق للدستور، لأن الأمازيغية إلزامية لجميع المغاربة بدون استثناء.
- هل يتحمل الأمازيغ أنفسهم جزءًا من المسؤولية في هذا التراجع؟
لا، لا أتحمل الأمازيغ أنفسهم المسؤولية، لأن غالبية المسؤولين في الحكومة هم أمازيغ. لكن المشكلة كانت معقدة بسبب أن الدولة لم تكن تهتم بالأمازيغية حتى خطاب أجدير في 2001، فالنخب الاقتصادية الأمازيغية تراجعت عن دعم الأمازيغية بسبب خوفها من الدولة، وكانت تفضل دعم الثقافة الرسمية التي تعترف بها الدولة.
أعتقد أن الأمازيغ يطمحون لتحسين الوضع، ويرون أن هناك تقدمًا بطيئًا ولكنهم يراهنون على مزيد من التفعيل.
- ما تعليقك حول التهديدات من قبل داعش
في أبريل 2015، في لقاء مع "سي إن إن عربية"، قلت في تصريح لك: "لن أغير من نهجي العلماني بسبب تهديد داعش". موضوع تهديد داعش كان قد ورد اسمك كناشط علماني من المكتب المركزي للتحقيقات القضائية أمام وسائل الإعلام المغربية، حيث ورد اسمك في قائمة الشخصيات المهددة بالاغتيال من طرف خلية إرهابية موالية لداعش تُدعى "أحفاد بن تاشفين".
- ما هي قصة هذا التهديد؟
التهديد كان قبل ذلك بكثير، لكنه أصبح أخطر عندما صار تهديدًا من خلية إرهابية مسلحة، فأصبح أكثر واقعية. في البداية، كان التهديد رمزيًا من خلال رسائل تهديد، ومقالات، وفيديوهات تحريضية. السبب الرئيسي وراء هذه التهديدات هو دعوتي إلى إلغاء مضامين في الكتب المدرسية تتعارض مع الدستور، ومع علوم التربية، وأهداف المدرسة العصرية. هذه المضامين كانت موجودة في دروس التربية الإسلامية، وبسبب ذلك هُوجمت، لكن في النهاية انتصرت. الملك محمد السادس ألقى خطابًا سنة 2016 حول مادة التربية الدينية، ودعا فيه إلى مراجعة مضامينها في التعليم المغربي. وبالفعل، حُذفت الكثير من المضامين المتطرفة التي كانت تتعارض مع دستور وقوانين البلاد، والتي كانت نتيجة اختراق التيار الإسلامي السياسي للمنظومة التربوية.
- العلمانية في المغرب
البعض يستعمل كلمة "علمانية" كما لو أنها تعني الإلحاد أو العداء للدين. اليوم، يعرف الناس أن هذا غير صحيح. العلمانية تقبل جميع الأديان، وهي الإطار الوحيد الذي يمكن أن تتعايش فيه الأديان تعايشًا سلميًا، ويحترم المواطن فيه غيره من المواطنين المختلفين. خارج الإطار العلماني، توجد الطائفية والحروب الدينية.
هل يمكن تطبيق العلمانية في المغرب؟
نعم، طبعًا ممكن. بما أن العلمانية ليست إلغاءً للدين ولا عداءً له، فيمكن من خلال إنجاح مسار الديمقراطية والتحديث أن نصل إلى العلمانية. الدولة المغربية أصلًا علمانية بنسبة 99%، لأن قوانينها قوانين وضعية، مثل أي دولة أوروبية، باستثناء بعض القوانين في مدونة الأسرة، مثل الميراث وزواج المسلمة من غير مسلم. هذه الأمور قليلة، وهي الآن قيد المراجعة بين يدي الملك محمد السادس بصفته أمير المؤمنين، من أجل إنصاف المرأة والطفل المغربي.
- الاختراقات في النظام الإداري
الاختراق حدث خلال 10 سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي. للأسف، الكثير من الكوادر التي تم تعيينها خلال هذه الفترة لم تكن ذات كفاءة، ما أدى إلى سوء التسيير. الآن، بدأ هذا الاختراق في التراجع. حتى المجالس العلمية الدينية التي كانت مخترقة بدأت تستعيد توازنها، والدليل هو أن بعض الفتاوى المتطرفة التي كانت تصدر سابقًا أصبحت مرفوضة اليوم.
- الحريات الفردية
احتقار الحريات الفردية يعطل التنمية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الحريات ليست مسألة ثانوية؛ بل هي المحرك الرئيسي للإنتاجية. يجب أن يكون المواطن حرًا في اختيار نمط حياته، من لباسه إلى طعامه وعقيدته. للأسف، هناك تناقض بين الدستور المغربي، الذي يضمن الحريات، والقوانين الجنائية القديمة، التي تعود إلى عام 1962.